إعلان أعلي المقال


بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
       الحمد لله رب العالمين , وبه نستعين , على أمور الدنيا والدين , وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين , وآله وصحبه أجمعين , والحمد لله رب العالمين ,                                
   وبعد :
          قضية قلما تقع , ومسألة نادرة الحصول , لاسيما في زماننا هذا , لكن الشرع الحنيف يتطرق لقضايا العباد كلها , كونها محتملة الوقوع ولو في زمن مجهول , ولو على فرد واحد , مؤكدا بذلك عناية الدين بأحوال الناس , منصفا للضعيف من القوي , جاعلا للحياة أسس تسير عليه البشرية وفق نظام إختياري يكتمل مع النظام الجبري .
      و أموال اليتامى والضعفاء تناولها النظام السماوي بعناية فائقة كونها قضية حساسة , بالغة الأهمية , يترتب عليها حقوق لازمة الأداء بحذر , كون الإخلال بلوازمها يترتب عليه عقوبة أخروية لا تنفك إلا بالعفو من صاحب الشأن .
      وهذا المبحث المختصر , يتطرق للجوانب الأهم , ويتناول المفردات أولا , ثم المعنى الإجمالي , ثم أسباب النزول , ثم الأهم وهو الأحكام المستنبطة من الأيآت , وكل هذا على سبيل الإيجاز والاختصار , و أرجو الله التوفيق والسداد في أمور الدنيا والدين , والحمد لله رب العالمين .
إعداد                              
باحث في الدراسات القرآنية



خطة البحث
·      المطلب الأول : في ثنايا الأيات , وتحته قسمين :
1-           القسم الأول : المفردات .
2-           القسم الثاني : المعنى الإجمالي .
·      المطلب الثاني : أسباب النزول .
·      المطلب الثالث : الأحكام الشرعية .
·      الخاتمة .









بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6) لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10))[1]

صدق الله العظيم






المطلب الأول / في ثنايا الآيات .
       قبل الشروع في جوهر البحث وصميمه , كان من اللازم إيضاح ما أشْكَلَ , ولا يتم ذلك إلا بأخذ الآيات من جانب اللغة على مستوى المفردة القرآنية , ومن جانب المعنى على مستوى الجملة القرآنية , وأُدرِجَ تحت هذا المطلب مسألتيين :
·       المسألة الأول : التحليل اللفظي :
1.  السفهاء : من السفه , وهو ضد الحلم , وأصله الخفة والحركة[2] , وقيل معناه الجهل[3].
2.  الإبتلاء : الإختبار , وأصله من بلى , قال في مختار الصحاح[4] : ( بلاه : جربه واختبره ... وبلاه الله : اختبره )[5] , وقال في القاموس المحيط : ( ابتليته : اختبرته )[6] .
3.  آنستم : علمتم , قال في مختار الصحاح : ( آنس منه رشدا أيضا علمه )[7] .
4.   الرشد : الإهتداء , قال في القاموس : ( الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه )[8] .
5.  الإسراف : التبذير .
6.  بدارا : أي مبادرة , وأصله بَدَرَ بمعنى أَسرعَ .
7.  فليستعفف : بمعنى عفّ عن الشي وتركه , والتعبير بهذه الصيغة للزيادة في طلب العفة .[9] .
8.  حسيبا : أي محاسبا أو كافيا .
9.  القسمة : بمعنى التجزئة , والمراد تقسيم التركة إلى أجزاء , ثم توزيعها على الورثة لكلٍ نصيبه المفروض .
10.        أولو القربى : أي الأقرباء الذين لا ينالون من التركة لحجب أو غيره .
11.        قولاً معروفاً : المعروف ضد المنكر , والمراد قولا طيبا .
12.        قولا سديداً : قولا صائبا موفقا .
13.        سيصلون سعيرا : اي يدخلونها .

·       القسم الثاني : المعنى الإجمالي :
        من المعلوم أن المال أمانة أودعها الله عند عباده , ليُقيموا بها معايشهم  , ولما كان التقصير فيها مع كونها من املاكك خيانة , كانت الخيانة في ما لا تملكه أنت مما استودع عندك أعظم , وأعظم من ذلك كونها أموال ضعفاء , فأرعاها الله بيانا وتفصيلا وتحذيرا .
        وابتداء الله تعالى في توجيه النهي لأولياء الأمور في ترك الأموال التي تقوم عليها المعايش بين أيدي السفهاء على وجه العموم , لتحمل الآية أبعاد أخرى , ثم أردف النهي بلأمر في الإنفاق عليهم , بما تقتضيه الحاجة , معقبا جو التعامل معهم في مثل هذه الظروف يملؤه الطيبة واللطف .
         ثم أمر الله تعالى الأولياء باختبار اليتامى , وتعليمهم , حتى إذا بلغوا القدرة على الوطء , وتيقن الولي الرشد فيهم , دفع لهم أموالهم , وأشهد على الدفع .
         ثم أخبر تعالى أن للرجال قسم مما ترك الأقرباء المتوفون من تركة , وكذلك النساء لا يحرمن من هذه التركة , سواء كانت التركة قليلة أو كثيرة , كل على قدره ميراثا محدودا شرعا , وليعطوا من حضر القسمة ممن لا نصيب له منها , من أولي القربى , أو اليتامى , أو المساكين , عن طيب قلب , وحسن كلم .
         ثم ذكّرَ الله الأولياء بذريتهم الضعاف , كيف يكون حالهم بعد موتهم , وهم من غير عائل , فهذا حال اليتامى معهم , وأختتم الله القطعة القرآنية بتهديد ووعيد شديد اللهجة لمن يخون أمانة المال الضعيف المستودع في حرزه , القائم به حياة نفوس ضعفاء .



















المطلب الثاني / أسباب النزول
1.   قوله تعالى : (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى)[10] نزلت في ثابت بن رفاعة , وفي عمه , وذلك أن تُوفي وترك ابنه ثابتا وهو صغير, فأتى عم ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ابن أخي يتيم في حجري فما يحل لي من ماله , ومتى أدفع إليه ماله ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية [11].
2.  قوله تعالى : ( لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا )[12] أن أوس بن ثابت الأنصاري , توفي وترك امرأةً يقال لها أم كُجَّة , وثلاث بنات له منها , فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه , يقال لهما : سويد و عًرْفَجَة , فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا , وكانوا في الجاهلية لا يُورِّثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا , وإنما يُورِّثون الكبار , وكانوا يقولون : لا يعطى إلا من قاتل على ظهر الخيل وحاز الغنيمة , فجاءت أُمُ كُجَّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله , إن أوس بن ثابت مات وترك عليَّ بنات وأنا امرأته , وليس عندي ما أُنفق عليهن , وقد ترك أبوهنَّ مالًا حسنًا وهو عند سويد وعرفجة , ولم يعطياني ولا بناته من المال شيئا , وهن في حجري , ولا يطعماني , ولا يسقياني , ولا يرفعان لهن رأسًا . فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : يا رسول الله , ولدها لا يركب فرسا , ولا يحمل كلّا , ولا ينكي عدوا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انصرفوا حتى انظر ما يحدث الله لي فيهن . فانصرفوا , فأنزل الله تعالى هذه الآية [13].


المطلب الثالث / أحكام الأيآت
·       الحكم الأول : ما المراد بالسفهاء في الآية ؟
            اختلف العلماء في المراد بالسفهاء في الآية , فذهب ابن عباس إلى أنه النساء والصبيان , وذهب مجاهد في إحدى رواياته إلى أن المراد النساء , وعن الحسن قال : ( المرأة والصبي ) . وعن سعيد بن جبير : ( هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم[14] ) والصحيح من القول , ما ذهب إليه الإمام الطبري[15] حيث قال : ( والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا , أن الله جل ثناؤه عم بقوله : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم )[16] فلم يخصص سفيها دون سفيه , فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيها ماله , صبيا صغيرا كان أو رجلا كبيرا )[17].
·       الحكم الثاني : هل الإضافة في لفظ ( أموالكم ) حقيقية أو مجازية ؟
اختلف العلماء فيها على قولين ; الأول : أن الإضافة على حقيقتها , فيكون المراد أموال الأولياء , وهذا القول مروي عن ابن عباس , وأبو موسى الأشعري , والحسن , وقتادة .
القول الثاني : أن الإضافة ليست على حقيقتها , و المراد أموال السفهاء ,وهذا القول مروي عن سعيد بن جبير, وأضيفت إلى الأولياء لتنبيههم على الحفاظ عليها كما لو كانت مِلكهم الخاص , وقيل أيضا لأن الأموال مشتركة بين الخلق , تنتقل من يد إلى يد[18] , وعلى هذا القول يحجر على كل من اتصف بالسفه , سواء كان صغيرا , أو كبيرا , أو مجنونا , أو مفلسا .
·       الحكم الثالث : متى يدفع المال إلى اليتيم ؟
ذهب العلماء إلى أن اليتيم يبتلى قبل بلوغه , حتى إذا بلغ ورَشِدَ دُفِعَ إليه ماله , ثم اختلف العلماء في كيفية ذلك , و تفرع من هذا الحكم عدة أسئلة , أولها :  كيف يُبتلى ويُختبر اليتيم ؟
        فذهب المالكية والحنفية إلى النظر في أخلاقه وأحواله , مع جواز دفع اليسير من المال للصبي لاختباره في تصرفه , فإن أحسن التصرف فيه , فقد وقع اختباره[19] , وذهب الشافعية إلى أن المراد بالابتلاء التربية على الطاعات , وإرشاده إلى حسن المعاملة والتصرف , حتى ينشاء على الخيرات , ويتأتا رشده بعد بلوغه , وماذهب إليه المالكية والحنفية يعارضه توقف دفع المال لليتيم ببلوغه ورشده[20] .
          ثم اتفق العلماء , على ان المال لا يدفع لليتيم , حتى يستوفي شرطيين : الأول : البلوغ , ويكون إما بالاحتلام أو السن , وهو خمسة عشرة سنة , خلافا لمالك في الأنثى , حيث اعتبره بالوطء , ثم مرور مدة من الزمن اختلف اهل المذهب في تحديدها [21] .
والثاني : الرشد , ثم اختلف العلماء في المراد بالرشد , فذهب المالكية و الحنفية إلى أنه الصلاح في العقل , أو بلوغ سن الخامسة والعشرين ولو كان عاقلا , مفسدا لماله عند أبي حنيفة , وعلى هذا لا يحجر على الكبير عنده [22] , مخالفا بذلك رأي الجمهور ,  وذهبت الشافعية إلى انه الصلاح في العقل والدين , وعلى قوله يُحجر على الفاسق , خلافا لمن سبق , ومرجع الخلاف ما ورد عن السلف في تفسير هذه اللفظة , فقد ورد عن ابن عباس , والحسن , وقتادة , والسدي , ان الرشد بمعنى الصلاح في العقل والدين , وورد عن مجاهد والشعبي , أن المراد الصلاح في العقل , والصحيح ماذهب إليه الطبري حيث قال : ( وأولى هذه القوال عندي في معنى الرشد ( العقل وإصلاح المال ) لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك , لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله , وحوز ما في يده عنه , وإن كان فاجرا في دينه )[23] , وعلى قول الشافعي لزم الحجر على أكثر أهل الأرض , وهذا محال , يقول الشيخ محمد الصابوني[24] : ( ليس كل فاسق يُحجر عليه , لأن في الحجر إهدار للكرامة الإنسانية , وإنما يقال إذا كان فسقه مما يتناول الأمور المالية , كإتلاف المال بلإسراف في الخمور والفجور وجب الحجر عليه , وإن كان يتعلق بأمر الدين خاصة كالفطر في رمضان مثلا فلا يجب الحجر )[25].
·       الحكم الرابع / هل يحق للوصي الأكل من مال اليتيم ؟
          ذهبت الشافعية والحنفية إلى عدم جواز الأكل من مال اليتيم على أي حال من الأحوال , وأن معنى قوله تعالى : ( ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف )[26] أي من مال نفسه , يقتصر على البلعة حتى لا يحتاج إلى أكل مال اليتييم [27] , وهذه الأية محمولة على الآيات المحكات في النهي عن الأكل من مال اليتيم .
          وذهب المالكية إلى جواز الأكل بقدر الحاجة , وهذا هو رأي الجمهور [28].   ثم اختلف الجمهور في الأكل بالمعروف , هل على الولي الضمان أو لا ؟ فذهب قوم إلى أنه عليه قرضٌ , رَدّهُ إذا أيسرَ , وهذا رأي عمر , ومروي عن ابن عباس , و عبيدة , والشعبي , وابن جبير , ومجاهد , وابو العالية , والأوزاعي,  ودليلهم ما روي عن عمر أنه قال : ( ألا إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة الولي من مال اليتيم , إن استغنيت استعففت , وإن افتقرت أكلت بالمعروف , فإذا أيسرت قضيت ) , وذهب قوم آخرون إلى أنه لا شئ عليه , وهو حق النظر والرعاية , وهذا رأي النخعي , وقتادة , والحسن , وعطاء , وقول ثالث مروي عن ابن عباس أيضا , وأبي العالية , والشعبي  , أنه لا ضمان عليه إن لم يضر بأصل المال وعينه , كأن يشرب من ألبان الماشية , أو يستخدم العبيد , أو يركب الدواب .[29]
·       الحكم الخامس / ماحكم الإشهاد على دفع المال إلى اليتيم ؟ وما يترتب عليه ؟
الإشهاد في المعاملات بابٌ من أبواب الشرع , والحاجة إليه لازمة , والآية دالة على مشروعية الإشهاد , ولكن إذا لم يقع الإشهاد وأدعى الوصي أنه دفع المال لليتيم بعد بلوغه , هل يُصدّق ؟
الشافعية والمالكية يرون أنه لايُصدّق الولي إلا بالبينة , وكل مال قُبض على وجه الأمانة بإشهاد , لا يُبراء منه إلا بلإشهاد على دفعه , وهو عند الشافعية كالأمانة حكما , لا مؤتمنا من جهة الصبي , بل قائما مقامه كما لو صار رشيدا , ولا ضمان عليه لو هلكت , كونه نائبا عن الصبي في حفظها حكما [30], وعند المالكية كالوديعة , فلو أدعى هلاكها صُدِّق[31] .
وذهب أبو حنيفة إلى أن الولي مُصدّقٌ في دعواه بالتسليم مع اليمين إذا لم يُشهِد , وأن مال اليتيم كالأمانة والودائع , لأنه لا يلزم الولي الضمان لو صُدِّق في هلاكها , وأما اعتبار الوصي كالوكيل فلا زيادة فيه , كون الوكيل مُصدق في براءة نفسه , وإنما يلزمه الضمان , والوصي لو صُدِّق لم يلزمه شئ[32] .
·       الحكم السادس / هل تدخل القسمة على قليل التركة و كثيره و على ما لا فائدة في تقسيمه ؟
        استدل العلماء على أن القسمة تدخل على متروك الفرائض مما لو دخلته القسمة لم يُنتفع به كالحمَّام , والبيت الصغير , والجوهرة , والطيلسان , لعموم قوله تعالى : ( مما قلّ منه أو كثر ) وهو قول ابن كنانة , و رأي الشافعي , وأبو حنيفة , وإحدى قوليين رويا عن مالك , والصحيح ما ذكره القرطبي حيث قال : ( وقال ابن أبي ليلى : إن كان فيهم من لا ينتفع بما يُقسمُ له فلا يُقسم . وكل قسم يدخل فيه الضرر على أحدهم دون الآخر فإنه لا يُقسم , وهو قول أبي ثور . قال ابن المنذر : وهو أصح القولين )[33] , وعلى هذا وردت رواية أخرى عن مالك , ثم الأية لم تتعرض للقسمة , وإنما ذكرت وجوب النصيب , وبينته في أيآت أخر[34] .
·       الحكم السابع / هل يعطى الأقارب واليتامى والمساكين عند حضور القسمة ؟
        اختلف العلماء في قوله تعالى : ( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين ...) هل هي محكمة , أم منسوخة , فذهب البعض إلى أنها محكمة , ومنهم ابن عباس في رواية , والحسن , وابن جبير , وعروة ابن الزبير , وابي موسى الأشعري , وعلى هذا يعطى أولو القربى واليتامى و المساكين منها إذا كان المال كثيرا , ويعتذرون إليهم لو كان عقارا أو غير قابل للقسمة , وذهب قوم آخرون إلى أن الآية منسوخة ,نسختها آية الميراث والوصية , و هو مروي عن ابن عباس , وسعيد ابن المسيب , والضحاك , وأبو مالك , وعكرمة .
والصحيح أن الآية محكمة , ثم القائلين بذلك اختلفوا هل الأمر للوجوب أو الندب , فذهب قوم إلى أن الأمر للوجوب , فيعطى لمن حُرِمَ من التركة ما خف منها , وهو مروي عن ابن عطية والقشيري , والصحيح أن الأمر للندب , وأنه لو كان فرضا لكان إستحقاقاً في التركة[35] .
             وروي عن ابن عباس , وسعيد ابن المسيب , و ابن زيد , أن الخطاب موجه للمحتضرون الذين يقسمون أموالهم بالوصية لا بالميراث , فلو حضر أولو القربى أو اليتامى والمساكين أثناء ذلك فينبغي أن لا يحرمهم منها[36] .
والله اعلم

الخاتمة
        الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وآله وصحبه ومن والآه , وبعد :
اعتنى هذا المبحث بالأيآت من 6 إلى 10 سورة النساء , وتناولها بشكل تحليلي , عدا بعض الجوانب , متطرقا للمفردات اللغوية  , معتمدا في ذلك على كتب وقواميس اللغة , ثم المعنى الإجمالي الذي يُفهم من سياق الأيآت , ذاكرا لأسباب النزول , وكون هذا المبحث يتعلق بالأحكام , والتفسير الفقهي , فقد أخذتْ أحكام الأيآت الجزء الأكبر منه , سائقا أقوال العلماء , لا على سبيل الحصر , معتماد على أشهر كتب أيآت الأحكام , والناظر فيه يلحظ خلو أراء المذهب الحنبلي في أحكامه , والسبب أن كتب الأحكام التي تم الإعتماد عليها هنا لم تطرق له أيضا , ناهيك عن كون المذهب الحنبلي يفتقر إلى كتب من هذا الصنف , وقد تركت الترجيح في الغالب , مكتفيا بسرد الأراء مع بعض الأدلة , وفي الأخير أرجوا من الله أن يكون التوفيق حليفي , والحمد لله رب العالمين .










المراجع
1.  أبي جعفر من جرير الطبري (ت310) , جامع البيان عن تأويل آي القرآن , الطبعة الثانية , مكتبة ابن تيمية .
2.  أبي بكر احمد بن علي الجصاص ( ت370 ) , أحكام القرآن , دار إحياء التراث العربي , بيروت , 1992 .
3.  أبي الحسين علي بن أحمد الواحدي ( ت468 ) , أسباب نزول القرآن , الطبعة الأولى , دار الميمان , الرياض , 2005 .
4.  عماد الدين بن محمد الطبري المعروف بالكيا الهراسي ( ت504 ) , أحكام القرآن , الطبعة الأولى , دار الكتب العلمية , بيروت , 1983 .
5.  أبي بكر محمد بن عبدالله ابن العربي ( ت543 ) , أحكام القرآن , الطبعة الأولى , دار الكتب العلمية , بيروت .
6.  أبي عبدالله محمد القرطبي ( ت671 ) , الجامع لحكام القرآن , الطبعة الأولى , مؤسسة الرسالة , بيروت , 2006 .
7.  محمد بن أبي بكر الرازي ( مختلف في تاريخ وفاته مابين 666-760 ) , مختار الصحاح , الطبعة الأولى ,دار الغد الجديد , القاهرة , 2007 .
8.  مجد الدين الفيروز أبادي ( ت817 ) , القاموس المحيط , الطبعة الثانية , دار إحياء التراث العربي , بيروت , 2003 .\
9.  محمد علي الصابوني , روائع البيان , الطبعة الأولى , المكتبة العصرية , بيروت , 2001 .





الفهرس
1.   

المقدمة

ص2

2.   
    في ثنايا الآيات
        التحليل اللفظي  
        المعنى الإجمالي
ص5
ص5
ص6
3.   
أسباب النزول 
ص8
4.   
أحكام الآيات
الحكم الأول / مالمراد بالسفهاء ؟
        الحكم الثاني / الإضافة في أموالكم .
        الحكم الثالث / متى يدفع مال اليتيم ؟
        الحكم الرابع / أكل الوصي من مال اليتيم .
        الحكم الخامس / الإشهاد على دفع مال اليتيم .
        الحكم السادس / القسمة فيما لا فائدة من تقسيمه .
        الحكم السابع / هل يعطى الأقارب واليتامى والمساكين من التركة ؟
ص10
ص10
ص10

ص11
ص12
ص13

ص14
ص14
5.   
الخاتمة
ص16
6.   
المراجع
ص17




[1] سورة النساء .
[2] مختار الصحاح , محمد بن أبي بكر الرازي , ط1, القاهرة , دار الغد الجديد , 1428هــ - 2007م , ص 165 .
[3] لسان العرب , أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور , بيروت , دار صادر ,
[4] - مختار الصحاح , ص 44 .
[5] المرجع السابق , ص 25 .
[6] القاموس المحيط , مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي , ط2 , بيروت , دار إحياء التراث العربي , 1424-2003 ’ص1163 .
[7]  المرجع السابق , ص 25 .
[8]  المرجع السابق , ص 270 .
[9] انظر روائع البيان , محمد علي الصابوني ,ط1 , بيروت , المكتبة العصرية , 1421-2001 ,ص 405 .
[10] سورة النساء , الأية 6 .
[11] أسباب النزول , الواحدي , الرياض , دار الميمان , ط1,ص277 .
[12] النساء , الأية 7 .
[13] اسباب النزول للواحدي , ص277-278 .
[14]  أنظر تفسير القرطبي , بيروت , مؤسسة الرسالة , ط1 , ج6 , ص 51 .
[15] هو الإمام العلامة أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( 224-310هـ) , استقر في بغداد بعد أن أكثر من الترحال في طلب العلم , قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء : (كَانَ ثِقَةً، صَادِقاً، حَافِظاً، رَأْساً فِي التَّفْسِيْر، إِمَاماً فِي الفِقْه، وَالإِجْمَاع وَالاخْتِلاَف، عَلاَّمَةٌ فِي التَّارِيْخ وَأَيَّام النَّاس، عَارِفاً بِالقِرَاءات وَبَاللُّغَة، وَغَيْر ذَلِكَ.)
[16] النساء , الأية 5 .
[17] جامع البيان , أبو جعفر محمد بن جرير الطبري , ط2 , القاهرة , مكتبة ابن تيمية , ج7 , ص565 .
 [18] انظر تفسير الطبري , ج 7 , ص 567-568 , ايضا تفسير القرطبي , ج 6 , ص 53-54 .
[19] انظر احكام القران لإبن العربي , بيروت , دار الكتب العلمية , ج1 , ص418 . انظر ايضا احكام القرآن للجصاص , بيروت , دار إحياء التراث العربي , 1412-1992 , ج2 , ص356 .
[20] انظر احكام القرآن للكيا الهراسي , بيروت , المكتبة العلمية , 1403-1983 , ط1 , ج1 , ص328 .
[21] انظر احكام القرآن لإبن العربي , ج1 , ص418-419 .
[22] أحكام القرآن , الجصاص , ج2 , ص 359 .
[23] جامع البيان , ج7 , ص577 .
[24] الشيخ / محمد علي الصابوني , من مواليد حلب الشهباء بسوريا 1930 , نشأ في أسرة عريقة في العلم , وتتلمذ على يد والده والكثيرين من علماء حلب , حصل على الإعدادية والثانوية الشرعية في حلب , ثم حصل على الشهادة العالمية في تخصص القضاء الشرعي في الأزهر , له مؤلفات تربو عن 33 مؤلفا . انظر http://www.ahlalhdeeth.com ملتقى أهل الحديث , منتدى تراجم أهل العلم المعاصرين .
[25] روائع البيان , محمد الصابوني ,بيروت , المكتبة العصرية , ط1 ’ 1421-2001 , ج1 , ص412 .
[26] النساء , الأية 6 .
[27] انظر احكام القرآن , الكيا الهراسي , ج1 , ص329 , ايضا احكام القرآن , الجصاص , ج2 , ص359-361 .
[28] الجامع لأحكام القرآن , القرطبي , ج6 , ص72 .
[29] المرجع السابق ص72-73 .
[30] انظر احكام القرآن , الكيا الهراسي , ج1 , ص332 .
[31] انظر احكام القرآن ابن العربي, ج1 , ص425-426 .
[32] انظر احكام القرآن , الجصاص ,ج2 ,ص 366 .
[33] الجامع لأحكام القرآن , القرطبي , ج6 , ص80 .
[34] انظر أحكام القرآن لابن العربي , ج1 , ص427 .
[35] انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي , ج6 , ص84 .
[36] المرجع السابق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال