إعلان أعلي المقال

المقدمـــــــة
بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدين , وبعد :
فهذا جمع يسير , بسيط , لتسع آيات من سورة الكهف , أتيت فيه ببعض مواضع الإعراب, وبلاغة الآيات , والمفردات , والمعنى الإجمالي لها , مختصرا غاية الاختصار , جعلت مرجعي في ذلك أهم كتب التفسير قديما , وحديثا , مستعينا بالله في أموري , فهو المستعان على كل شي , والحمد لله رب العالمين .








الآيات :
قال تعالى : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) ) صدق الله العظيم .

الإعراب :

        (  إذ ) ظرف لعجبا , وقيل ظرف لمحذوف تقديره أذكر إذ , قال في إعراب القرآن وبيانه[1] : (الظرف الماضي يتعلق باذكر محذوفا وجملة أوى في محل جر باضافة الظرف إليها والفتية فاعل أوى وإلى الكهف متعلقان بأوى ) ( أوى الفتية إلى الكهف ) أوى الفتية فعل وفاعل والجملة في محل جر بالإضافة , إلى الكهف متعلق بأوى , ( فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ) الفاء حرف عطف , وقالوا فعل وفاعل , ربنا منادى منصوب وحذفت أداة النداء , آتنا فعل دعاء , ونا مفعول به أول , من لدن حال متعلق بآتنا , والكاف مضاف إليه , رحمة مفعول به ثاني , وهيئ معطوف على آتنا , لنا متعلق بهيئ , من أمرنا حال , رشدا مفعول به .
( فضربنا على أذانهم في الكهف سنيين عددا ) الفاء حرف عطف , وضربنا فعل فاعل , والهاء في أذانهم مضاف إليه , ومفعول ضربنا محذوف تقديره حجابا مانعا , في الكهف جار ومجرور متعلق بضربنا والجملة حال , سنيين ظرف منصوب بالياء لأنه ملحق بالمذكر السالم , عددا صفة .
( ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ) ثم عاطفة , بعثناهم فعل وفاعل ومفعول , لنعلم اللام حرف تعليل , ونعلم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة , أي أسم استفهام مبتداء ,الحزبين مضاف إليه , أحصى فعل وفاعل , و الجملة خبر أي , لما اللام حرف جر , وما مصدرية , لبثوا فعل وفاعل , أمدا تميز . قال في التبيان[2] : (في أحصى وجهان :
أحدهما هو فعل ماض وأمدا مفعوله ولما لبثوا نعت له قدم عليه فصار حالا أو مفعولا له أي لأجل لبثهم , وقيل اللام زائدة وما بمعنى الذي وأمدا مفعول لبثوا وهو خطأ وإنما الوجه أن يكون تمييزا والتقدير لما لبثوه , والوجه الثاني هو اسم وأمدا منصوب بفعل دل عليه الاسم وجاء أحصى على حذف الزيادة كما جاء هو أعطى للمال وأولى بالخير . )
( شططا ) مفعول به , أو نعت للمصدر المحذوف والتقدير قولا ذا شطط .[3]
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) هؤلاء مبتداء , قومنا خبر , اتخذوا فعل وفاعل والجملة حال , ويجوز أن تعرب قومنا بدل أو عطف وجملة اتخذوا خبر هؤلاء , لولا حرف تحضيض , بَيّن صفة , الفاء إستئنافية من إسم استفهام إنكاري , وأظلم خبره .
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ) قال في البيان : (وما يعبدون , في ما ثلاثة أوجه :  أحدها / هي اسم بمعنى الذي وإلا الله مستثنى من ما أو من العائد المحذوف . والثاني / هي مصدرية والتقدير اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة الله
 والثالث / أنها حرف نفي فيخرج في الاستثناء وجهان أحدهما هو منقطع
 , والثاني هو متصل والتقدير وإذ اعتزلتموهم إلا عبادة الله أو وما يعبدون إلا الله فقد كانوا يعبدون الله مع الأصنام أو كان منهم من يعبد الله ) . مرفقا , تقرأ بفتح الميم وكسر الفاء , وتقرأ بكسر الميم وفتح الفاء فهو مصدر , وتقرأ بفتحهما وتكون مصدرا أيضا .
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً ) تزاور فعل وفاعله مستتر, ذات ظرف لتزاور , واليمين مضاف إليه , (من يهدي الله) من شرطية , يهدي مضارع مجزوم بحذف حرف العلة , الله فاعل , فهو المهتد الفاء رابطة , هو المهتد مبتدأ وخبره ,وليا مفعول به , ومرشدا صفة .
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ) تحسبهم أيقاظا فعل وفاعل مستتر ومفعول به أول وثاني وهو أيقاظا , هم رقود مبتدأ وخبره , والجملة حال , وكلبهم باسط ذراعيه مبتدأ وخبر ومفعول به , لوليت اللام هنا واقعة في جواب لو قبلها , فرارا مصدر , ولملئت اللام هنا أيضا في جواب لو الذكور سابقا , رعبا تميز , وقيل مفعول ثاني لملئت .

المفردات اللغوية

1.  أوى : المراد اسم المكان الذي يأوى إليه أصحاب الكهف .
2.  الفتية : جمع فتى , وهو الطري من الشباب .
3.  هيئ : قدر لنا أو أصلح لنا .
4.  ضربنا على أذانهم : أنمناهم .
5.  أمدا : المدة التي لها حد مجهول في الإطلاق .
6.  ربطنا على قلوبهم : ألهمناهم وثبتناهم .
7.  شططا : قولا بعيدا عن الحق .
8.  سلطان : الحجة .
9.  اعتزلتموهم : الاعتزال تجنب الشئ بالبدن أو بالقلب .
10.                   أوو : التجئوا .
11.                   ينشر : يبسط .
12.                   مرفقا : ما يرتفق وينتفع به .
13.                   تزاور : تميل .
14.                   تقرضهم : أي تجوزهم وتدعهم .
15.                   فجوة : متسع .
16.                   الوصيد : الفناء , يقال مدخل الباب .



الوجوه البلاغية


       أولا / التعبير بلفظ الفتية وعدم إضماره إشارة إلى ما فيه من اكتمال خلق الرجولية المعبر عنه بالفتوة الجامع لمعنى سداد الرأي، وثبات الجأش، والدفاع عن الحق، ولذلك عدل عن الإضمار فلم يقل: إذ أووا إلى الكهف.[4]
       ثانيا / التعبير بلفظ من لدنك , غاية الأدب مع الله , لأنه فيه تذلل إلى الله وطلبه التفضل عليهم .
       ثالثا / قوله تعالى :( فضربنا على أذانهم ) قال في روح البيان : (أي : حجاباً يمنع سماعها أي : أنمناهم على طريقة التمثيل المبني على تشبيه الإنامة الثقيلة المانعة عن وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها وتخصيص الآذان بالذكر مع اشتراك سائر المشاعر لها في الحجب عن الشعور عند النوم لما أنها المحتاجة إلى الحجب عادة إذ هي الطريقة للتيقظ غالباً لا سيما عند انفراد النائم واعتزاله عن الخلق ) .
       رابعا / التعبير بلفظ البعث غاية الفصاحة , فإنما جيئ بقصة أصحاب الكهف هنا لإثبات البعث بعد الموت .
       خامسا / تقديم لفظ نحن من ( نحن نقص عليك ) دليل الاختصاص , فنحن لا سوانا من يقص القصص الحق .
       سادسا / التعبير بلفظ الزيادة لا يستعان به إلا لقوة الوصف .
       سابعا / التعبير بلفظ الربط مجازا , والتعدية للفعل بعلى وهو متعد بنفسه لتنزيله منزلة اللازم .
       ثامنا / جملة ( ربنا رب السموات والأرض ) نفي الربوبية لغير الله , وجملة ( لن ندعوا من دونه إلها ) نفي الألوهية لغير الله  , فالأولى يعترف بها الوثنييون خلاف الثانية فجيئ بها .
      تاسعا / التعبير عنهم بلفظ الإشارة تحقير لهم[5] .
      عاشرا / هؤلاء قومنا .... الأية , تضمنت إخبار بمعنى الإنكار , وتحضيض بمعنى الإنكار والتعجيز
      الحادي عشر / في الأية ( وترى الشمس إذا طلعت ... ) التعبير بالمضارع للدلالة على تكرر الفعل يوميا , والإشارة في قوله ( ذلك من آيات الله ) للتعظيم وعلى أنها من آيات الله .
      الثاني عشر / من الشرطية في قوله تعالى :( من يهدي الله فهو المهتدي ) تدل على أن الله هداهم فيمن هدى , ولكنهم اختصوا بهذه الكرامة لما يسروا أنفسهم للهدى والحق .
      الثالث عشر / التعبير بلفظ أطلعت , من صيغ الإفتعال ,ويؤتى به للمبالغة والإرتقاء .

التفسير والإيضاح

         قوله تعالى : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً ) هنا بدأ الإخبار عن قصة هؤلاء الفتية الذين فروا بدينهم إلى ربهم و فرووا إلى كهف هناك , ونادوا ربهم قائلين : ( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا ) رحمة ترحمنا بها من قومنا تسترنا عنهم , ويسر لنا السداد في العمل الصالح ..
(فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ) بأن ألقى الله النوم عليهم في كهفهم , فناموا السنين ذوات العدد , وعبر بــ عددا لدلالة على كثرة السنيين ، وقصة هؤلاء الفتية مطولة في كتب التفسير .
(ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً ) ثم بعثهم الله بعد نومهم الذي دام سنيين كثيرة , ليعلم الطائفتين المختلفتين في مدة مكث هؤلاء الفتية في الكهف أيهما على صواب , أختلف المفسرون في الحزبين , فذهب قوم إلى أن المراد من الفتية , وذهب آخرون إلى أنهم من أهل بلدتهم , عن قتادة في قوله ( ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ) يقول: ما كان لواحد من الفريقين علم، لا لكفارهم ولا لمؤمنيهم . عن مجاهد( أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ) من قوم الفتية . والصحيح ما ذهب إليه ابن عاشور فقال : (المراد بالحزبين حزبان من الناس أهل بلدهم اختلفت أقوالهم في مدة لبثهم بعد أن علموا انبعاثهم من نومتهم. أحد الفريقين مصيب والآخر مخطئ، والله يعلم المصيب منهم والمخطئ. فهما فريقان في جانبي صواب وخطأ كما دل عليه قوله أحصى ) .
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً ) جاءت  هذه الآية توضح الحق في هذه القصة بعد أن عُلم من الآية قبلها أن قد وقعت الأقوال في مدة مكث الفتية , وفيها يخاطب تعالى نبيه محمد صل الله عليه وسلم بقوله : نحن نقص عليك نبأهم الحق والصدق الذي لا شك فيه , إنهم فتية أمنوا بربهم فزادهم الله إيمانا , وبصيرة بدينهم , وهداهم كيفية الخلاص من ظلم ملكهم وقومهم .
(وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً ) أي ألهمناهم الصبر وثبتناهم على قول الحق وهو قولهم لما قاموا وأحضروا بين يدي ملكهم الظالم  : ربنا رب السموات والأرض , وما بينهما , لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا دعونا من دونه قولا شططا بعيد عن الحق , وكذبا , وغلوا .
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً )
يخبر تعالى عن حديث الفتية عن قومهم لما رأوهم يعبدون ويذبحون للأصنام , بأنهم اتخذوه آلهة لهم من دون الله , و لولا ( تعجيزية ) يأتون على فعلهم ذلك واتخاذهم لها آلهة من دون الله بحجة وسلطان بين وواضح , وهذا أسلوب الله في إرسال الرسل بالحجة والسلطان , ثم يبين الله عجزهم عن ذلك بتهديد صريح ( فمن أظلم ممن أفترى على الله كذبا ) حيث وهم مع شركهم أفتروا على الله الكذب .
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً )
       اختلف المفسرون في الآية على أقوال منها : هذه الآية من قول أصحاب الكهف فيما بينهم , وقول أنها خطاب لهم من الله , وفي مصحف عبدالله ابن مسعود ( وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله ) قال قتادة : هذا تفسيرها , والمعنى الإجمالي للآية ما قاله الإمام القرطبي[6] : (ومضمن هذه الآية أن بعضهم قال لبعض: إذا فارقنا الكفار وانفردنا بالله تعالى فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على الله، فإنه سيبسط لنا رحمته، وينشرها علينا، ويهيئ لنا من أمرنا مرفقا. وهذا كله دعاء بحسب الدنيا، وعلى ثقة كانوا من الله في أمر آخرتهم )
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً )
الخطاب في الآية موجه لكل من يمكنه الرؤية , فترى الشمس تميل من جهة يمين الكهف في شروقها , وفي غروبها تتركهم وتمر بهم من جهة شمال الكهف فلا تصيبهم , وهم في فجوة ومتسع من الكهف , وهذه آية من آيات الله , حيث الشمس لا تصيبهم فتحرقهم , ولكن هواء الكهف يتغير ويتجدد من لطف الله بهم , فالله هو الذي هداهم من بين قومهم , وهداهم إلى هذا الكهف الذي سيناسب طول مكثهم فيه , ومن يضله الله فلا ولي له يرشده إلى الحق .
(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً )
قال أهل التفسير : ( كانت أعينهم مفتوحة وهم نائمون ) وهذه حكمة من الله إذ البلى أسرع إلى العين حال انطباقها منه وهي مفتوحة , وتقليبهم يمينا وشمالا لكي لا تبلى أجسامهم , قال ابن عباس: ( لئلا تأكل الأرض لحومهم ) وهذه من ألطاف الله عليهم , وكلبهم قيل في اسمه الكثير وروي أنه تبعهم في طريقه إلى الكهف فردوه فتبعهم وقال أنا أحب أحباب الله فدعوني معاكم أحرسكم إذا نمتم , وكان على باب الكهف ووصيده مادا ذراعيه , وقد حفظهم الله بالرعب فمن اطلع عليه فر مفزوعا , قال ابن كثير في تفسيره : ( أنه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحد عليهم إلا هابهم؛ لما ألبسوا من المهابة والذعر، لئلا يدنو منهم أحد ولا تمسهم يد لامس، حتى يبلغ الكتاب أجله، وتنقضي رقدتهم التي شاء تبارك وتعالى فيهم، لما له في ذلك من الحجة والحكمة البالغة، والرحمة الواسعة. )

هذا والحمد لله رب العالمين .




المراجع والمصادر /
1)  إعراب القرآن لإبن سيده .
2)  التبيان في إعراب القرآن .
3)  إعراب القرآن الكريم , قاسم حميدان دعاس .
4) مفردات القرآن للراغب .
5) مفردات القرآن للمراغي .
6) جامع البيان للطبري .
7) تفسير ابن كثير .
8) روح المعاني للألوسي .
9) مفاتيح الغيب للرازي .
10)                  التحرير والتنوير للابن عاشور .
11)                  تفسير القرطبي .
12)                  في ظلال القرآن لسيد قطب .



[1] محي الدين الدرويش , إعراب القرآن وبيانه , دار الإرشاد , سورية .
[2] البيان في إعراب القرآن , أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري المتوفى سنة 616 هــ .
[3] ذكره في التبيان وفي إعراب القرآن وبيانه .
[4] إنظر التحرير والتنوير .
[5]  ذكره العلامة الألوسي في تفسيره .
[6]  تفسير القرطبي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إعلان أسفل المقال